بقلم عضو هيئة الرئاسة لحركة امل د. خليل حمدان –
بمناسبة وفاة قائد الثورة الاسلامية الايرانية الامام روح الله الموسوي الخميني قدس سره يستدعي الحديث عن هذه الشخصيه الرائدة لمرحله ما زال العالم يعيش حضورها نتيجةً للمتحوّل التاريخي الذي فرضته الثورة الاسلامية الإيرانية، حصادًا لعمل تراكميّ بين مواجهة مباشرة لجلاوزة الشاه وأدوات حكمه التي نالت من علماء وقامات حوزوية بأسلوب إجرامي يندى له جبين الإنسانية. وما المجازر المتعددة إلّا شاهدٌ على ذلك، من مدرسة الفيضية وما قبلها وما بعدها الى سجن الإمام نفسه وإبعاده، واستمرار ملاحقة الثائرين على دربه. كل ذلك كان حافزا لدى هذا الامام العظيم ليستمرّ باندفاعةٍ منقطعة النظير وسط ظروف قاسية وصعبة من البدايات في إيران الى المنفى الأول، في تركيا الى العراق بحضرة الإمام عليّ وحوزة النجف التي أرسى فيها قاعدة ارتكاز ومحور متابعة لدى العلماء والمجاهدين في الداخل والخارج. وهي مرحلة شهدت الحضور الفاعل المتصل مع مرحلة الثوره من الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر والإمام المغيب القائد السيد موسى الصدر وكوادر ومجاهدين في مقدمتهم الشهيد القائد مصطفى شمران وغيره من نخبة تغييرية باتت الأنظار تتّجه بأملٍ واعدٍ لشخصيات باتت رافعةً أساسية في العالم أجمع، وهم القاعدة الثلاثيه التي باتت دعامة التغيير الأساسية. ولذلك فإنّ المتتبّع يلتمس الاستهداف بثلاث شعب من إخفاء الامام السيد موسى الصدر على يد طاغية العصر معمر القذافي، الى اعتقال الشهيد السيد محمد باقر الصدر على يد جلاوزة صدام وتعذيبه حتى شهادته مع أخته الشهيدة بنت الهدى وما بينها في مرحلة تُعدّ بالأيام. كان استهداف الإمام قدس سره بإبعاده الى الحدود العراقية الكويتية، وقتها لا ننسى ما قاله آية الله دعائي عن لسان الامام الراحل السيد الخميني أنه لو كان الامام الصدر موجودًا في لبنان، لكنت ذهبت الى هناك بعد أن رفضت الحكومة الكويتية دخوله. وبعزيمة القائد استمرّت المسيرة. وغادر الامام الى فرنسا وهناك إشارة الى رغبة صدام في أن يذهب الامام الى ليبيا بعد رسالة وجهها الى الرئيس الفرنسي عبر السفير العراقي آنذاك في باريس الى جاك شيراك الذي كان على صلة بالرئيس الفرنسي جيسكار ديستان ومفاد هذه الرسالة أنّ صدام حسين تمنّى على الرئيس الفرنسي ديستان ان لا يستقبل الامام الخميني في فرنسا مع توجيه النصح بأن يذهب الى ليبيا وهذا ما أورده الرئيس جاك شيراك في مذكراته التي صدرت في مجلدين تحت عنوان “كل خطوة هدف” (chaque pas doit etre un but).
وهذا دليل إلى أن منظومة الطغيان اعتمدت ليبيا سجنًا. لكن الثائرين على الحكام الطغاة واصلوا جهادهم ،وانتصرت الثوره بقيادة الإمام. وبدأ العالم يؤرّخ ما قبل الثورة وما بعدها، حيث تبدّلت موازين القوة وصولا الى معادلة سياسية جديدة في العالم، من نزع علم إسرائيل عن سفارتها في طهران الى شموخ علم فلسطين، ولهذه الرمزيه ما بعدها ان الثوره الاسلاميه الايرانيه استطاعت تبديل مخرجات “كامب ديفيد” وكل ما يرتبط به لإعادة التوازن لمصلحة القضية الفلسطينية وللمقاومة بمواجهة العصر الاسرائيلي بشكل عام،ويلحظ المتتبع أنّ جميع ما حققته دول بتواطئها مع إسرائيل، اصطدم بحاجز ممانع بدّل المعادلات المتمثلة بانتصار الثوره الاسلامية الإيرانية. ولا بد من تأكيد مسألتين أساسيتين بمناسبه وفاه الامام الخميني قدس سره، الأولى هي أن الثورة الاسلامية الايرانية واستمرارها بقياده الامام السيد علي الخامنئي، لم تقسم العالم الى بلاد الكفر وبلاد الإيمان كما يحلو لبعض الأحزاب الاسلامية والدينية أن تنعتها، إنما أرست معادلة رفض الظالم والانتصار للمظلوم على مساحة العالم من فلسطين الى المقاومة في لبنان الى فنزويلا وغيرها.
والثانية هي أن استمرار الثورة الإسلامية بقيادة الامام السيد علي الخامنئي اكد الثوابت الراسخة لانطلاقة هذه الثورة. وقد سعت العديد من بيوت التفكير المعادية الى إسداء نصيحة الى حكومات دول كبرى بالضغط على الأقل كي تعدّل الدولة الايرانية من سلوكها رغبةً منهم في الفصل بين الدولة والثورة؛ ولكن الردّ جاء حازمًا، إنّ تَغيّر سلوك النظام يساوي الثورة والنظام في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ولذلك، باتت المعادلات في الحاضر كما في الماضي باستمرار الثورة بمنطلقاتها واهدافها لتحقيق المستقبل الواعد بقوة وعزيمة.
ويبقى السؤال: كيف يمكن أن نتصوّر مشهد العالم اليوم من دون الثورة الاسلامية الإيرانية؟! الثورة الاسلامية في ايران ستبقى أمل ورجاء المستضعفين في العالم. فهي باقية باقية باقية. وفي ذكرى وفاة قائدها حياة على امل الخلاص بمن يملأ الارض قسطا وعدلا٠٠رحم الله من بذل في سبيله فلا خير في حق لا تدعمه قوه والأزمة تلد الهمّة. ويبقى الإمام الراحل على مساحة الاحرار أمة في رجل وما النصر إلّا من عند الله.